في بداية ايماننا نرى الله أبَا يظلل على ابناءه، يحملهم على منكبيه، يطير بهم ، يقودهم بعمود السحاب و عمود النار كما شعب الرب في رحلة الخروج من ارض العبودية ، نتذوق ما اطيب الرب وما اعذب حنانه ومحبته ، نسكن تحت ظل جناحيه الدافئتين الناعمتين، ننعم بالهدوء و نتدلل على ابينا الحنان.
ثم نبدأ في رحلة الوعي والإدراك فنرى من الله وجهَا آخر ، نرى يدي الفخاري القويتين، ونحن من كنا نظن ان الإناء لا بأس به حالته جيده! ما عيب الإناء؟ لكن للفخاري نظرة الخبير فيقرر ان يعود ويصنعه وعاءَا آخر مثلما يحسن في عينيه هو. وإذا بالآب المُدلِل يتوقف عن التدليل والمنح و يبدأ الدولاب في الدوران لتتجه يديه القديرة لتسحق الإناء الأول تشوه معالمه المعتادة، ينظر الإناء لنفسه ولا يعود يتعرف عليها مرة اخرى لا منظر له لقد صار قطعا قطعا صلبة. ثم يسكب الفخاري بعضا من الماء الحي عليه وتستمرعملية العجن والتسوية . يتوجع الإناء ،يتألم ،يعتصر، يتعجب، لايصدق ما تفعله يدي الاب المحب . وبين الخوف والحيرة يأتي الشك! اذا لم اكن ما انا اظنه عن نفسي لم اكن اناء صالح بالقدر الكافي.. كيف لم ادرك؟ كيف خدعني قلبي وخانتني ثقتي. كيف لم اميز تسرب الكبرياء لحياتي كيف اوهمت نفسي انني غني وقد استغنيت!
ليتنبه من فوضى افكاره على ألم التشكيل ! حتى متى يستمر هذا الالم!
هل تعلم يا صديقي ماهو الجزء الأصعب في رحلة التشكيل تلك؟!
انها المرحلة التي لم تعد فيها تتذكر كيف كان شكل اناءك الأول، ولم تتبين بعد شكل اناءك الآخر! مرحلة تسير فيها وحيدا في برية موحشة بين يدي الفخاري الصامت الذي لا يفصح عن تصوره لشكل الاناء الآخر ولا عن مدة الدوران على الدولاب ولا عن اي قطعه سيستغني او يضيفها ولا عن الغرض الذي سيتحقق من خلاله.
في ظلام الرحم انت تسبح في ماء الروح المُغير منتظر بترقب الولادة الجديدة! من قال انها ولادة واحدة؟ نحن مولودون.. هو فعل مستمر متكرر نتغير فيه الى تلك الصورة عينها، من مجد الى مجد. نخضع بخشوع لأصابع الفخاري ننتظر ان نرى النور ونلمح ابتسامة رضى على وجه الخالق لصنعة يديه وننطلق نخدمه راضين، ونعين المجربين ونعدهم بيوم ميلاد مجيد يعبرون اليه من رحم الألم....