القيادة المسيحية
عندما نتأمل في حياتنا اليومية نرى كم هائل من القادة في كافة مجالات الحياة، في البيت، و في المدارس، و الجامعات و الشركات و المؤسسات الحكومية و العسكرية و السياسية و في المؤسسات و الجمعيات الخاصة، و في كل مكان، لأنه يوجد ميل طبيعي لدى كل الناس للقيادة، لأن الله خلق الانسان على صورته و شبهه و منحه السلطان، و لذلك نرى الميل الطبيعي للانسان للقيادة، و لكن بسبب دخول الخطية الى حياة و قلب الانسان و سقوطه و انفصاله عن الله، انحرفت القيادة و أخذت مسارا بعيدا عن خطة الله في الحياة الفضلى للانسان، و كثيرا ما ارتبطت القيادة بالشر و القتل و سفك الدم، او الانانية و الدكتاتورية و بسط السلطة و النفوذ على الآخرينن او استغلال الناس و استعبادهم.
و على الجانب الآخر نرى القيادة المسيحية لدى القادة الذين آمنوا بالرب يسوع المسيح، كرب و اله و مخلص، و الذين تغيرت حياتهم، و تبعوا الرب، و امتلؤا من الروح القدس، و قبلوا دعوة الرب للقيادة، نري قيادتهم مختلفة و مؤثرة و تمجد الله لأنها تتصف بالمحبة الكاملة للناس الذين نخدمهم و تتسم بانكار النفس و حمل الصليب و السير في خطى السيد، و مساعدة و دعم الناس و تشجيعهم بدلا من التسلط عليهم و استغلالهم.
و في سفر الملوك الاول و الثاني نرى أنه عندما يكون قلب الملك مع الله "عمل ما يحسن في عيني الرب " تكون قيادته حكيمة و تمجد الله و مؤثرة في حياة الناس و كان يصنع الانتصارات، و لكن عندما يكون قلبه بعيدا عن الله "عمل الشر في عيني الله " فتكون قيادته سلبية و الناس يعيشون بالشر و الخطية.
كما أننا نرى الاختلاف في القيادة عند نفس الشخص الذي يتقابل مع المسيح و يؤمن به، فتصبح قيادته مسيحية و حسب قصد و مشيئة الله، و الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد غني بالامثلة عن هؤلاء القادة و منهم موسى و بولس و الكثيرين، و سنتحدث عن قيادة موسى قبل و بعد اللقاء مع الله.
نموذج قيادة موسى: عندما نلقي نظرة على سفر الخروج و أعمال الرسل الاصحاح السابع نرى كيف اختار الله هذا الطفل المولود الجميل و الذي ألقي في الماء، لكي يكون قائدا يدعوه الله لكي يقود شعبه و يخرجهم من ارض العبودية الى ارض الموعد الارض التي تفيض لبنا و عسلا، و لما لم تستطع والدته ان تخفيه أكثر من ثلاثة أشهر لأن المصريين كانوا يقتلون الاطفال العبرانيين الذكور، ألقته والدته في النهر و انتشلته ابنة فرعون التي طلبت دون ان تعرف من والدته لترضعه و تهتم به، و أسمته موسى " المنتشل من الماء " فتهذب موسى بكل حكمة المصريين، و كان مقتدرا في الاقوال و الاعمال، و عندما أصبح عمره أربعين سنة، أراد أن يفتقد اخوته بني اسرائيل، و لما رأى واحدا مظلوما دافع عنه و قتل المصري خصمه، و في اليوم الثاني انتشر الخبر و أصبح مطلوبا للقتل بأمر فرعون، فهرب الى مديان :
و هنا نلاحظ : ان موسى اختار أن يكون قائدا بدعوة شخصية منه و لم تكن هذه الدعوة حتى الآن من الله، كما أنه اعتمد على حكمته البشرية و سلطانه المأخوذ من كونه ابن ابنة فرعون، و اعتقد بأنه يستطيع القيادة بناء على مقدراته الخاصة و ما يمتلكه و من دراساته في قصر فرعون و اعتماده على السلطة الكبيرة، و لكن و للأسف قادته هذه القيادة الذاتية الشخصية الى القتل، و الرفض من قومه و شعبه الذي أراد نصرته، و بالتالي باءت قيادته الى الفشل و الهروب.
و لكن كان لله خطة أفضل لحياة موسى فسمح له بالهروب الى مديان و عمل راعيا للغنم عند رعوئيل كاهن مديان و تزوج صفورة ابنته التي ولدت له ولدين، و دربه الله اربعين سنة اخرى في رعاية الغنم، حتى يكون عند هذا القائد " قلب الراعي الذي يهتم و يرعى خراف الله " و هذا درس هام و ميزة و صفة هامة للقائد المسيحي " .
و لما كملت الاربعون سنة الثانية ظهر له ملاك الرب في برية جبل سيناء في لهيب نار عليقة و لما اقترب من المكان متعجبا ليتطلع الى العليقة التي لا تحترق، قابله الرب و كلمه معرفا عن نفسه أنا اله آبائك، اله ابراهيم و اله اسحق و اله يعقوب، اخلع نعل رجليك، لأن الموضع الذي أنت ولقف عليه أرض مقدسة، " فأراد الله أن يعرفه انه اله القداسة و لا يقبل بأي شيئ دنس و أن القائد المسيحي يجب أن يعيش بقداسة، و لا يمكنه أن يتقابل مع الله الا اذا عاش بالقداسة التي بدونها لا يستطيع أحد أن يرى الرب.
كما أراد أن يعلمه أبرز و أهم صفات القيادة، ألا و هي خلع النعلين ( رمز للسيادة، و السيادة يجب ان تكون لله وحده ) و خلع النعلين يرمز الى حياة الطاعة، حياة العبيد الذين حياتهم ليست ملكهم انما ملكا لسيدهم، و لا يملكون شيئا و ليس لهم حق الملكية و لا حق تقرير المصير و هذا يعني انكار الذات و حمل الصليب و اتباع يسوع
لوقا 9 : 23 وَقَالَ لِلْجَمِيعِ:«إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي.
و كلمه الله قائلا: اني لقد رأيت مشقة شعبي الذين في مصر و سمعت أنينهم و نزلت لأنقذهم، فهلم الآن فأرسلك الى مصر،
هذا هو موسى الذي دربه الله و علمه كيف يكون القائد المسيحي الحقيقي ( حيث دربه في البرية على التواضع و التخلي عن أفكاره السابقة، و ان يكون عنده قلب الراعي، كما دربه على حياة العبيد و أن السيادة لله وحده، كما دربه على التركيز على الله و الامور الروحية و الاتكال على الرب و الشركة معه باستمرار، و لذلك موسى بالايمان ابى أن يدعى ابن ابنة فرعون، مفضلا بالاحرى أن يذل مع شعب الله على ان يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسبا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر كلها، لأنه كان ينظر الى المجازاة، و لأنه تشدد، كأنه يرى من لا يرى ( عبرانيين 11 )، و هذا هو نكران النفس و حمل الصليب و اتباع يسوع و السير ورائه. و عندها أيَّده الله بالآيات و المعجزات و العجائب و كان الله معه و مع شعبه بقوة و نصرهم الله بقوة على أعدائهم و أخرجهم من أرض العبودية الى الارض التي تفيض لبنا و عسلا.
فكل خادم و قائد مسيحي، يريد أن تكون قيادته ناجحة و منسجمة مع خطة الله و تعطي المجد للرب وحده، فيجب أن يتحلى بتلك الصفات و الميزات و هذا القلب و المحبة و القداسة و ان يتخلى عن كل شيئ يملكه و ان يحسبه نفاية ان كان سيفصلنا عن محبة المسيح و خدمته.
صلاتي أن نقتدي بالمثل الاعظم " الرب يسوع المسيح " الذي سطَّر لنا أفضل دروس القيادة و الخدمة بكلامه و أفعاله و حياته و قيادته و بذل نفسه،
يوحنا 13: ١٤ فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، ١٥ لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا .
و الرب يعطينا النعمة لكي لا نكون كرؤساء الامم الذين يسودونهم و لا كعظمائهم الذين يتسلطون عليهم، بل من يريد منا ان يكون عظيما، فليكن خادماً، و من أراد أن يكون اولا فليكن عبداً، لأن المسيح لم يأت ليُخدم بل ليَخدم، و ليبذل نفسه عن كثيرين (متى 20: 25)
و لالهنا كل المجد.